كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج أيضًا من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن موسى لما انتهى إلى البحر أقبل يوشع بن نون على فرسه فمشى على الماء واقتحم غيره خيولهم فرسوا في الماء، وقال أصحاب موسى: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء: 61] فدعا موسى ربه فغشيتهم ضبابة حالت بينهم وبينه؛ وقيل: له اضرب بعصاك البحر؛ وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أن الله تعالى أوحى إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر وأوحى إلى البحر أن اسمع لموسى وأطلع إذا ضربك فبات البحر له أفكل أي رعدة لا يدري من أي جوانبه يضربه، وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام أن موسى عليه السلام لما انتهى إلى البحر قال: يا من كان قبل كل شيء والمكون لكل شيء والكائن بعد كل شيء اجعل لنا مخرجًا فأوحى الله تعالى إليه أن أضرب بعصاك البحر.
وروى أنه عليه السلام قال: اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وإليك المستغاث وأنت المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وفي الدر المنثور من رواية ابن مردويه عن ابن مسعود مرفوعًا ما يدل على أنه عليه السلام قال ذلك حين الانفلاق {فانفلق} أي فضربه فانفلق فالفاء فصيحة، وزعم ابن عصفور في مثل هذا التركيب أن المحذوف هو ضرب، وفاء انفلق والفاء الموجودة هي فاء ضرب وهذا أشبه شيء بلغي العصافير وكأنه كان سكران حين قاله، وفي هذا الحذف إشارة إلى سرعة امتثاله عليه السلام، وإنما أمر عليه السلام بالضرب فضرب وترتب الانفلاق عليه إعظامًا لموسى عليه السلام بجعل هذه الآية العظيمة مترتبة على فعله ولو شاء عز وجل لفلقه بدون ضربه بالعصا، ويروى أنه لم ينفلق حتى كناه بأبي خالد فقال انفلق أبا خالد: وكان بأمر الله تعالى إياه بذلك، وعن قيس بن عباد أنه عليه السلام حين جاءه قال له: انفلق أبا خالد فقال: لن أنفق لك يا موسى أنا أقدم منك وأشد خلقًا فنودي عند ذلك اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق، وفي رواية ابن مسعود أنه عليه السلام حين انتهى إليه قال: انفرق فقال له: لقد الستكبرت يا موسى وهل انفرقت لأحد من ولد آدم فأوحى الله تعالى إليه أن أضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق، وفي حديث أخرجه الخطيب في المتفق والمفترق عن أبي الدرداء مرفوعًا أنه عليه السلام ضربه فتأطط كما يتأطط العرش ثم ضربه الثانية فمثل ذلك ثم ضربه الثالثة فانصدع وهذا صريح في أن الضرب كان ثلاثًا، وقيل: ضربه مرة واحدة فانفلق، وقيل: ضربه اثنتي عشرة مرة فانفلق في كل مرة عن مسلك لسبط.{وَأَزْلَفْنَا} عطف على {أَوْحَيْنَا} [الشعراء: 63]، وقيل: على محذوف يقتضيه السياق والتقدير فأدخلنا بني إسرائيل فيما انفلق من البحر وأزلفنا {ثُمَّ} أي هنالك {الاخرين} أي فرعون وجنوده أي قربناهم من قوم موسى عليه السلام حتى دخلوا على أثرهم مداخلهم، وجوز أن يراد قربنا بعضهم من بعض وجمعناهم لئلا ينجو منهم أحد.
أخرج ابن عبد الحكم عن مجاهد قال: كان جبريل عليه السلام بين الناس بين بني إسرائيل وبين آل فرعون فجعل يقول لبني إسرائيل: ليلحق آخركم بأولكم ويستقبل آل فرعون فيقول: رويدكم ليلحقكم آخركم فقال بنو إسرائيل: ما رأينا سائقًا أحسن سياقًا من هذا وقال آل فرعون: ما رأينا وازعًا أحسن زعة من هذا، وقرأ الحسن وأبو حيوة: {وزلفنا} بدون همزة، وقرأ أبي وابن عباس وعبد الله بن الحرث {العظيم وَأَزْلَفْنَا} بالقاف عوض الفاء أي أزلقنا أقدامهم، والمعنى اذهبنا عزهم كقوله:
تداركتما عبسًا وقد ثل عرشها ** وذبيان إذ زلت بأقدامها النعل

ويحتمل أن يجعل الله تعالى طريقهم في البحر على خلاف ما جعله لبني إسرائيل يبسًا فيزلقهم فيه.
هذا وقال صاحب اللوامح: قيل من قرأ بالقاف أراد بالآخرين فرعون وقومه ومن قرأ بالفاء أراد بهم موسى عليه السلام وأصحابه أي جمعنا شملهم وقربناهم بالنجاة.
ولا يخفى أنه يبعد إرادة موسى عليه السلام وأصحابه من الآخرين قوله سبحانه: {وَأَنجَيْنَا موسى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ} أي وأنجيناهم من الهلاك في أيدي أعدائهم ومن الغرق في البحر بحفظه على تلك الهيئة إلى أن خرجوا إلى البر، وقيل: {وَمَن مَّعَهُ} للإشارة إلى أن إنجاءهم كان ببركة مصاحبة موسى عليه السلام ومتابعته، وقيل: لينتظم من آمن به عليه السلام من القبط إذ لو قيل وقومه لتبادر منه بنو إسرائيل وفيه بحث.